الطب المسند Evidence-Based Medicine

ما هو الطب المسند؟

لقد اعتمدت الممارسة الطبية السريرية  دائماً على نوع ما من البراهين التي تدعم فائدتها.  ورغم أن أقوى البراهين تشتق من البحث العلمي الطبي، فقد بقي تأثير نتائج البحث العلمي على الممارسة الطبية اليومية ضعيفاً لأسباب عدة، وبقي دور الممارسة السريرية اليومية في توجيه البحث العلمي ضعيفاً، وكأن البحث والممارسة فعاليتان طبيتان لاعلاقة بينهما.

لوحظ هذا الفصل منذ أكثر من قرن من الزمن، وجرت محاولات عدة لإلغائه، قادت منذ حوالي 50 سنة إلى إدخال مفهوم التجارب السريرية العشوائية للتداخلات الطبية المختلفة، سواءً أكانت هذه التداخلات تشخيصية أم وقائية أم علاجية.  أما مؤخراً، فقد قادت محاولات مماثلة إلى إدخال مفهوم الطب المسند.

يعمل الطب المسند على ربط الممارسة السريرية اليومية بنتائج البحث العلمي الطبي، وعلى استخدام البرهان البحثي في إغناء الحكمة السريرية.  يساعد ذلك الطبيب المشغول بالممارسة السريرية في التعرف مبكراً على نوعية البراهين الداعمة لما يقدمه لمرضاه من مداخلات طبية، كما يفيد في توجيه البحث العلمي باتجاه  إجراء الأبحاث اللازمة لحل ما يواجههه الممارسون السريريون من مشاكل عملية.  فالطب المسند،  ببساطة، هوإيجاد الحلول للمشاكل المصادفة في الممارسة السريرية عن طريق تحديد البراهين المتوفرة من الخبرة السريرية ومن البحث العلمي، وتقييمها نقدياً من حيث جدواها وصلاحيتها، ومن ثمٌ تطبيق أفضلها.  شريطة أن يكون هذا التحديد جامعاً و شاملاً لكل ما يتوفر من براهين، وليس انتقائياً أو منحازاً لبعضها.

يتضح من هذا التعريف أن ممارسة الطب المسند تعتمد أساساً على وضع المشكلة السريرية المصادفة بصيغة سؤال سريري واضح ومحدد  يمكن البحث عن إجابة له.  فالطب المسند إذاً هو عملية تعلُم ذاتي مستمر موجهة لحل المشاكل السريرية التي قد يواجهها الطبيب في أي مرحلة من مراحل حياته المهنية، هدفها الرئيسي تحسين نوعية الرعاية الطبية للمرضى، ولكنها تتطور مع الوقت لتصبح طريقةً يقيم فيها الطبيب أداءه الذاتي في مختلف مراحل حياته المهنية.  للطب المسند استخدامات أخرى، فقد تزايد في الغرب إستخدامه من قبل المرضى للتدخل بشكل فاعل ومتنور في اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتهم.  كما يتزايد تأثيره على مخططي السياسات الصحية وعلى ما يتخذون من قرارات (3، 4).

يهدف الطب المسند إلى

– تشجيع تبني ممارسة طبية أكثر جدوى وأكثراعتماداً على البراهين العلمية

– التحديث المستمر لطرق الممارسة السريرية

– تخفيف الممارسة السريرية المبنية على التعود والتقاليد والعرف، أو على التأثر بأساتذة بارزين

– تخفيف تأثير الدعاية وشركات الأدوية على ممارستنا الطبية اليومية

– ترشيد الإنفاق في الرعاية الصحية عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد بعد موازنة الخيارات وانتقاء ما يتوقع أن يكون أكثرها جدو

ما هو مصدر البراهين العلمية السريرية؟

يعتمد الأطباء عند اتخاذ قرارات ذات علاقة برعاية مرضاهم على خبرتهم السريرية وعلى ما تقدمهم لهم البحوث العلمية الصحية من براهين.  تصنف البحوث العلمية الصحية إلى بحوث مراقبة وبحوث تجريبية، وقد صنفت منظمة الصحة العالمية قوة البرهان المشتق من هذه البحوث فكان أضعفه ذلك المشتق من الخبرة السريرية ومن دراسات المراقبة، وأقواه ذلك المشتق من البحوث التجريبية وخصوصاً من التجارب السريرية المعشاة.  لذلك فإن الطب المسند، في سعيه لجعل الممارسة السريرية معتمدة على أفضل ما يتوفر من براهين علمية، يتبنى أساساً نتائج التجارب السريرية المعشاة (5).

ما أهمية التجارب السريرية المعشاة؟

لقد أحدثت التجارب السريرية المعشاة تغييراً جذرياً في طريقة الحكم على ما إذا كانت المداخلات والعلاجات التي نقدمها لمرضانا نافعةً أم ضارة.  فلهذه التجارب شمولية وقوة تفسيرية لا تشكلان حجر الزاوية  للطب المسند فحسب، بل إنهما تقدمان أيضاً البراهين اللازمة لإسناد كل من الصحة العامة، وإدارة المشافي، والإنفاق الصحي، والإستهلاك الصحي (6).

يتم في التجربة السريرية المعشاة توزيع المرضى بشكل عشوائي على مجموعتين، يقدم للمجموعة الأولى التداخل الطبي المطلوب تقييم فعاليته (المجموعة التجريبية)، ويقدم للمجموعة الثانية الغفل أو تداخل معياري للمقارنة (مجموعة الشاهد). 

يراقب أثناء فترة التجربة معدل وقوع حدث ما (مثل التحسن أو الوفاة) في المجموعة التجريبية [معدل الحدث التجريبيExperimental Event Rate (EER)] وفي مجموعة الشاهد [معدل الحدث الشاهد Control Event Rate (CER)].  يستفاد من مقارنة هذين المعدلين في تحديد ما إذا كان العلاج أفضل من عدم العلاج بالنسبة لمرض ما، ولكن لاتقتصر فوائد التجارب العشوائية على هذه النتيجة النوعية بل تتعداها لتقدم تقديرات كمية لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج.  ولتوضيح ذلك سنأخذ مثالاً من مراجعة منهجية لفعالية المعالجة بالأدوية الخافضة للتوتر الشرياني في الوقاية من حدوث النشبة الدماغية عند المرضى المصابين بفرط توتر شرياني متوسط أو شديد (7). 

فهم نتائج التجارب السريرية المعشاة

لفهم نتائج التجارب السريرية المعشاة أهمية قصوى عند اتخاذ أي قرار سريري، ولشرح معنى هذه النتائج سنورد دراسة استمرت خمس سنوات و شملت ثلاثين ألف مريض عولج نصفهم بأدوية خافضة للضغط، وأعطي النصف الآخر الغفل (7).  فقد لوحظ خلال هذه الفترة حدوث حوالي 1800 نشبة دماغيه في 15000 مريض معالجين بأدوية خافضة للضغط،  بينما حدثت النشبة الدماغية عند 3000 مريض من أصل 15000 مريض معالجين بالغفل، وهذا الفرق بين مجموعتي المرضى في حدوث النشبة الدماغية هام إحصائياً.  لملاحظة هذا الفرق فائدتان، الأولى هي الحصول على جواب نوعي بأن المعالجة بالأدوية الخافضة للضغط أفضل من عدم المعالجة في المرضى المصابين  بفرط التوتر الشرياني المتوسط أو الشديد.  أما الفائدة الثانية فهي في استخدام الفرق الملاحظ كمقياس كمي لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج، إذ يمكن بحسابات بسيطة قلب هذا الفارق إلى أحد مقاييس الفعالية efficacy المتوفرة والتي تتضمن:

  • نسبة الخطر risk ratio
  • إنقاص الخطر النسبي relative risk reduction
  • نسبة الأرجحية odds ratio
  • إنقاص الخطر المطلق absolute risk reduction
  • العدد الواجب علاجه number needed to treat (NNT)
  • مقاييس فعالية التداخلات الصحية

نسبة الخطر risk ratio هي نسبة حدوث المرض في المجموعة المعالجة إلى نسبة حدوثه في المجموعة غير المعالجة.  ففي المثال المذكور أعلاه، يبلغ احتمال حدوث النشبة رغم المداواة الخافضة للضغط (1800÷ 15000= 0.12)، ويبلغ هذا الإحتمال بدون المعالجة الخافضة للضغط (3000÷15000= 0.2 ).   وبذلك فإن نسبة الخطر هي (0.12÷0.20= 0.6 ).

إنقاص الخطر النسبي relative risk reduction هو المصطلح الأكثر استخداماً ويحسب بقلب نسبة الخطر إلى نسبة مئوية (1-0.6)×100= 40%.  أي أن المعالجة الخافضة للضغط تنقص احتمال الإصابة بالنشبة الدماغية بحوالي 40% .

نسبة الأرجحية odds ratio هي مقياس آخر للفعالية، ربما كان أكثر فائدةً من الخطر النسبي، ويحسب من نسبة أرجحية حدوث النشبة مع المعالجة (وهي 1800: 13200 = 0.14 إلى 1) وبدون معالجة (وهي 3000: 12000= 0.25 إلى 1).  أي أن نسبة الأرجحية هي (0.14÷0.25 = 0.56 ).

إنقاص الخطر المطلق absolute risk reduction هو طريقة أخرى للتعبير عن مقدار أفضلية خافضات الضغط الشرياني، وهو الفرق الحسابي بين احتمال حدوث النشبة مع المعالجة (0.12 ) واحتمال حدوثها بدون معالجة (0.20).  أي أن إنقاص الخطر المطلق = (0.20-0.12 = 0.08 ).

العدد الواجب علاجه number needed to treat (NNT) هو عدد المرضى الواجب علاجه للوقاية من إصابة واحدة، وهو مقلوب إنقاص الخطر المطلق.  ففي المثال أعلاه، يبلغ العدد الواجب علاجه (1÷ 0.08 = 13)، أي لتجنب حدوث نشبة دماغية واحدة يجب معالجة 13 مريض بالأدوية الخافضة للضغط لمدة خمس سنوات.

تطبيقات العدد الواجب علاجه

لحساب “العدد الواجب علاجه” فائدة سريرية كبرى يمكن توضيحها بالمثال التالي:  في المرضى المصابين بارتفاع توتر شرياني طفيف، تحدث النشبة في 135 من أصل 15000 (أي 0.009) خلال خمس سنوات عند إعطاء الأدوية الخافضة للضغط، وتحدث النشبة عند 225 من أصل 15000 (أي 0.015)  خلال نفس الفترة عند عدم إعطاء أدوية خافضة للضغط.  يبلغ العدد الواجب علاجه هنا 1÷( 0.015 – 0.009)= 167.  أي أنه يجب علاج 167 مريض مصاب بفرط توتر شرياني خفيف لفترة خمس سنوات بالأدوية الخافضة للضغط بقصد منع حدوث نشبة دماغية واحدة.  يبلغ هذا الرقم أكثر من عشرة أضعاف الرقم الواجب علاجه في فرط التوتر الشرياني المتوسط أو الشديد.  وفي ذلك ما قد يؤثر على اتخاذ القرار السريري بوصف الأدوية الخافضة للضغط.  ولكن يجب التنبه إلى أن هذا القرار قد يتأثر بطريقة تقديم المعلومات الكمية عن حجم فائدة المعالجة.  فلو حسبنا إنقاص الخطر النسبي لمعالجة فرط التوتر الشرياني الخفيف [100×(1-0.009/0.015) = 40%] لكانت النتيجة مساوية لإنقاص الخطر النسبي بمعالجة حالات فرط التوتر الشرياني المتوسط والشديد (وهي 40% كما ورد أعلاه).  ينشأ هذا التناقض من عدم احتواء “إنقاص الخطر النسبي” على أي معلومات عن قابلية إصابة المرضى بالحدث المرغوب الوقاية منه، بينما تكون هذه المعلومات متضمنةُ في “العدد الواجب علاجه”.  لذلك فقد يبقى “إنقاص الخطر النسبي” مرتفعاً ( مما يجعل المعالجة تبدو أكثر جاذبيةً ) حتى عندما تكون الوقاية من الإصابة منخفضة (كما تنعكس بارتفاع العدد الواجب علاجه).  وكنتيجة فإن الإكتفاء بقياس فعالية علاج ما بمعيار “إنقاص الخطر النسبي” قد يؤدى إلى المبالغة في الحماس لمعالجة مرضى إحتمال تعرضهم للإصابة بدون علاج منخفض أصلاً.  يصبح هذا التناقض مشكلةً للطبيب العادي الذي يحاول استقراء نتائج التجارب السريرية وتطبيقها على مرضاه اليوميين.  إذ يغلب أن يكون مرضى التجارب السريرية “أشدٌ مرضاً” من المرضى اليوميين.  وتبدي دراسات عديدة أن القرار العلاجي المبني على “العدد الواجب علاجه” أكثر منطقيةً من القرار المبني على “إنقاص الخطر النسبي”.

وبذلك فإنه عند قراءة مراجعة منهجية، أو مقال عن نتائج تجربة سريرية، يجب الإنتباه إلى مقاييس الفعالية المستخدمة.  بل يجب الذهاب أبعد من ذلك، إذ أن المقال المثالي يجب أن يتضمن أيضاً مقاييس للأضرار المرافقة للمعالجة، ولرأي المريض بنوعية حياته مع المعالجة وبدونها، ولتكاليف كافة الخيارات العلاجية الممكنة.

ما دور الطب المسند في التطوير المهني المستمر؟

من الثابت أن التطوير المهني المستمر ليس مجرد قضية أكاديمية، إذ أن تزويد الطبيب العادي بمعلومات هامة سريرياً يفيد إثنين من كل ثلاثة مرضى يراهم، ويدفعه إلى تبديل قراراته السريرية بالنسبة لربع مرضاه.  ولكن يصعب إبقاء الطبيب على اطلاع بكل المستجدات الطبية، حتى ضمن اختصاصه.  فقد أصبح ثابتاً أن الطريقة التقليدية في التعليم الطبي المستمر عن طريق إتباع دورات طبية لايغيرشيئاً من السلوك السريري للأطباء، ويستبعد أن يسبب أي تطوير في نوعية الرعاية الصحية للمرضى.  كذلك فقد أصبحت مواكبة التقدم الطبي المستمر أمراً صعباً بسبب غزارة النشر الطبي، إذ ينشر سنوياً مايزيد عن مليونا مقالة طبية في أكثر من 20 ألف مجلة طبية، إضافةً إلى ماينشر في الكتب وعلى الانترنت.  وفي أحسن الأحوال، يحاول الطبيب العادي تطوير معلوماته عن طريق متابعة بعض المجلات الطبية العامة وبعض المجلات التخصصية.  يتطلب ذلك الكثير من الوقت، كما أن مقدرتنا على استيعاب المعلومات الحديثة تتراجع مع التقدم بالعمر.  فإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن النشر في المجلات الطبية لايتبع عادةً أي نظام ثابت يصبح من الواضح صعوبة أو استحالة تدقيق مصداقية سيل المعلومات المتدفق حول موضوع ما، واستحالة هضم هذه المعلومات لاستخدامها في الممارسة السريرية اليومية.  لذلك فليس غريباً فشل الهدف الأساسي للقراءة الطبية، وهو غربلة الدراسات المنشورة، وتقييمها، والاستفادة منها في تبني طرق جديدة للممارسة السريرية، أو في التوقف عن استخدام ممارسات قديمة ثبت عدم فائدتها أو حتى ضررها.

تدفع هذه الإستحالة بعض الأطباء إلى الاعتماد على كتب ومقالات مراجعة سردية يكتبها خبراء لامعون.  ولكن أصبح ثابتاً أن الكتب أو المقالات المؤلفة بالطرق التقليدية لم  تعد كافية لمواكبة التطورات العلمية المتسارعة، ولا  لتطوير الممارسة الطبية.  فقد أدت عدم منهجية مثل هذه الكتب والمقالات في اختيار و تفسير الأبحاث التي يهتم بها المؤلف إلى تأخير استخدم حالات الخثرة في احتشاء العضلة القلبية حوالي 10 سنوات.  كما أدت إلى استمرار استخدام ليدوكائين بشكل وقائي في الرجفان البطيني لمدة عشر سنوات بعد أن ثبت أن هذا الاستخدام خطر وربما قاتل (8).

من هنا تتضح أهمية استراتيجيات الطب المسند كبديل عن القراءات العشوائية أو عن الخضوع لدعاية وادعاءات شركات الأدوية من أجل البقاء مواكبين للتطور الطبي المعاصر.  لذلك فليس غريباً إعتماد الطب المسند حتى لتعليم طلاب الطب في جامعات مثل هارفرد و ماك ماستر، حيث يبتعد التعليم عن التلقين وحشو المعلومات، ويصبح موجهاً باتجاه تدريب الطالب على إيجاد الحلول لما قد يواجهه من مشاكل.  ويجد الطلاب هذه الطريقة في الدراسة الجامعية أكثر إثارة وأكثر إرضاءً للذات، وأكثر تحضيراً لهم لمواكبة التطورات الطبية بعد التخرج، مقارنة مع الطلاب الذين يتعلمون بالطرق التقليدية. 

دور تكنولوجيا المعلومات

يعتمد الطب المسند على المراجعة المنهجية systematic review التي يجب أن تشمل كافة التجارب السريرية المعشاة المنشورة وغير المنشورة عن تداخل طبي ما، وبكافة اللغات.  يتطلب ذلك توضيع كافة الأبحاث المتعلقة بموضوع ما وتقييمها بهدف فرز ما هو دقيق علمياً وهام سريرياً، ومن ثم دمج نتائج الدراسات المنتقاة وتحليلها إحصائياً ووبائياً بهدف التوصل إلى استنتاجات مبنية على أفضل برهان علمي متوفر.  وقد أصبح تطبيق ذلك ممكناً فقط بعدما تطورت تكنولوجيا المعلومات بشكل يسمح بالبحث عن المعلومات و الحصول عليها بشكل سريع، وبعد استخدام المعلوماتية في تطويع مبادئ الإحصاء وعلم الوبائيات للتطبيق في مجال الرعاية الصحية.

لتكنولوجيا المعلومات دور هام آخر هو سرعة نشر وتوزيع نتائج المراجعات المنهجية إلكترونياً، على أقراص مدمجة أو على الانترنت.  تمكن طريقة النشر الإلكتروني هذه من تعديل وتحديث ما ينشر كلما جد جديد، وذلك أساسي لمتابعة تطورات العلوم الطبية المتجددة باستمرار.  تعتمد طريقة النشر الإلكتروني في نشر مراجعات كوكران المنهجية، كما أنها الطريقة المعتمدة في نشر ما يتم تعريبه في المركز العربي للطب المسند.

المراجعة المنهجية

تعتمد المراجعة المنهجية للأدب الطبي على تفتيش الأدب الطبي العالمي بحثاً عن كل الأبحاث المتعلقة بتداخل طبي ما.  يتم بعد ذلك تقييم هذه الأبحاث وانتقاء ما كان منها تجربة سريرية معشاة ذات نوعية جيدة.  تدمج نتائج التجارب السريرية المنتقاة باستخدام برامج كومبيوتر خاصة تمكن من مقارنة نتائج التداخل الطبي المدروس مع عدم التداخل أو مع تداخلات طبية بديلة.

تمكن المراجعة المنهجية من التوصل إلى استنتاجات مدعومة بأفضل برهان علمي حول ما إذا كان التدخل الطبي المدروس مفيداً أو ضاراً، مع تقديم قياسات كمية لمدى فائدته أو ضرره، ومع تقدير للجدوى الاقتصادية لتطبيقه.  تفيد المراجعة المنهجية أيضاً في تحديد التداخلات الطبية التي تم بحثها علمياً بشكل كاف مما يدعو إلى تجنب هدر الوقت و الجهد في إجراء أية بحوث إضافية عليها.  كما تفيد المراجعة المنهجية في تحديد تداخلات طبية لم يتم اختبارها علمياً بعد، مما يفيد في توجيه البحث العلمي المستقبلي باتجاه إجراء المزيد من الأبحاث عليها.

مراجعات كوكران المنهجية Cochrane Systematic Reviews

تتميز مراجعات كوكران المنهجية  عن غيرها من المراجعات المنهجية بأنها تنشر إلكترونيا، على أقراص مدمجة أو على الانترنت، وبأنه يتم تحديثها كل ثلاثة أشهر.  تهدف طريقة النشر  وطريقة التحديث الدوري هذه إلى تسريع إيصال نتائج الأبحاث الصحية المتجددة إلى الطبيب المشغول بالممارسة الطبية اليومية.  وبذلك فإن مكتبة كوكران، المؤلفة من مراجعات كوكران المنهجية، هي مصدر للمعلومات الطبية المتجددة باستمرار والتي يتم تجميعها بشكل تراكمي (9).

مبادئ ممارسة الطب المسند

يعتمد الطب المسند على المراجعات المنهجية، وخصوصاً مراجعات كوكران المنهجية، في الدعوة إلى رعاية مرضانا عن طريق جعل ممارستنا الطبية اليومية مبنية على أفضل البراهين المتوفرة، وأيضاً عن طريق تطوير معلوماتنا وممارستنا بشكل مستمر يواكب التطورات العلمية التي لايمكن أن تنتهي أو تتوقف.  والطريق إلى تحقيق هذا الهدف سهل ويمكن اختصاره بالخطوات الأربع التالية (10):

أولاً:  صياغة المشكلة السريرية التي نواجهها بصيغة سؤال محدد وواضح.

ثانياً:  إيجاد المراجعات المنهجية أو التجارب السريرية المعشاة التي تقدم براهين عن جدوى كافة المداخلات الطبية الممكنة.

ثالثاً:  تقييم ما إذا كانت هذه البراهين تتوافق مع واقع مرضانا وامكانياتنا العلمية والمادية.

رابعاً: تحديد المداخلات الطبية المعمول بها والتي لايوجد برهان علمي على فائدتها.  مع الانتباه إلى أن عدم توفر برهان يدعم مداخلةً ما لايعني أن هذه المداخلة خاطئة، بل يدل على وجوب إعادة تقييم هذه المداخلة تجريبياً بحثاً عن برهان يدعمها أو يلغيها. خامساً: تطبيق المداخلات الطبية التي يتوفر برهان على جدواها، وتصميم أبحاث لتقييم المداخلات التي لم تقيم علمياً بعد.

سادساً: تقييم ما تم تطبيقه

  الطب المسند- ليس “صرعة” جديدة- ليس مستحيل التطبيق، بل إن كل شخص قادر على ممارسته- ليس نشاطاً أكاديمياً بحتاً، إذ أنه موجه أساساً، نظريةً وتطبيقاً، باتجاه تلبية متطلبات الطبيب ومرضاه- ليس محصوراً بالتجارب السريرية، بل يمكن تطبيقه أيضاً في تقييم الاختبارات التشخيصية- ليس طريقة لتقديم وصفات جاهزة للممارسة السريرية، بل لدمج البرهان من كل الأبحاث المتوفرة- ليس مبرراً لتخفيض ميزانيات الرعاية الطبية، حيث أن أفضل التداخلات ليس بالضرورة أرخصها.

المراجع

  1. محمد أديب العسالي (1999).  الطب المسند: التطبيقات الحديثة للمعلوماتية في تعليم الطب البشري. مجلة أبحاث الحاسوب (الأمانة العامة لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية).  المجلد الثالث، العدد الأول، ص 57-66
  2. Evidence-based Medicine Working Group (1992). Evidence-based medicine; a new approach to teaching the practice of medicine.  JAMA 268:2420-5
  3. Cook et al (1997). The relationship between systematic reviews and practice guidelines.  Ann Intern Med.  127:210-6
  4. Bero and Jadad (1997).  How consumers and policymakers can use systematic reviews for decision making.  Ann Intern Med. 127:37-42
  5. Dickerson et al (1994). Identifying relevant studies for systematic reviews.  BMJ 309:1286-91
  6. Clarke and Stewart (1994). Obtaining data from randomized controlled trials:  how much do we need for reliable and informative meta-analyses?.  BMJ 309:1007-10
  7. Collins et al (1990). Blood pressure, stroke, and coronary heart disease.  Part 2.  Short-term reduction in blood pressure; overview of randomized drug trials in their epidemiological context.  Lancet 335:827-38
  8. Antman et al (1992). A comparison of results of meta-analyses of randomized control trials and recommendations of clinical experts.  Treatments for myocardial infarction.  JAMA 268:240-8
  9. Godlee (1994). The Cochrane Collaboration deserves the support of doctors and governments.  BMJ 309:969-70
  10. Badgett et al (1997)

اترك تعليقاً